النخبة السياسية والصراع على الثروات النفطية في اليمن
أطروحة مقدمة كجزء من استيفاء متطلبات درجة الماجستير في التنمية الدولية والنوع الاجتماعي
إجلال يحيى علي عبدالله شجاع الدين
إشراف
دكتور/ عدنان ياسين المقطري
رئيس قسم العلوم السياسية
نائب العميد لشؤون خدمات المجتمع
كلية التجارة والاقتصاد، جامعة صنعاء
يوليو 2020
تهتم هذه الدراسة بواحدة من أكثر القضايا الاقتصادية والسياسية تعقيدًا في اليمن، حيث تتناول تأثير النخبة السياسية على توزيع الثروات النفطية في اليمن. وقد كان من الأهمية بمكان دراسة ذلك، حيث أن قلة من الدراسات الاكاديمية اقتصرت على تناول واحد من مكونات البحث (النخبة أو الثروات النفطية)، ولا توجد دراسة تجمع بين الجانبين السياسي والاقتصادي للنخبة وتوزيع الثروات النفطية.
وتهدف الدراسة إلى البحث في كيفية تأثير علاقات الوصاية الجديدة على النخب وتوزيع الثروة النفطية في اليمن في فترة ما قبل الصراع (1986-2011). وتعرض الدراسة السمات الرئيسية للوصاية الجديدة، وتناقش كيف تم توظيف تلك العلاقة في توزيع الثروات النفطية، والطريقة التي استحوذت بها النخب الرئيسية على زمام الاقتصاد السياسي للنفط. علاوة على ذلك، تستكشف الدراسة آثار توزيع الثروات النفطية على الصراع السياسي.
اعتمدت الدراسة على مراجعة دارسات النخب وتوزيع الثروات النفطية وكيفية توظيف نظام المحسوبية بشكل كبير في ذلك. وقد تضمنت بعض الادبيات المستخدمة مقابلات مع شخصيات سياسية بارزة قدمت معلومات قيمة عن تأثير نظام المحسوبية الذي استخدمه نظام الرئيس السابق “صالح” في توزيع الثروات النفطية.
منذ العام 1986 تحول الاقتصاد اليمني من الاقتصاد القائم على التحويلات النقدية والزراعة إلى منتج صغير للموارد النفطية، وتمت زيادة هذا الإنتاج بكميات أعلى حتى وصل إلى كميات جيدة من النفط التجاري في بداية القرن الواحد والعشرين. تم استخراج النفط من قطاعات مختلفة في المناطق الشمالية والجنوبية. وأحدثت هذه الطفرة النفطية الكثير من التغييرات في مجال الاقتصاد السياسي وتحولت اليمن إلى دولة ريعية. وقد بنيت الأحلام الكبيرة على طفرة الموارد النفطية. وفي الواقع فقد دعم القطاع النفطي الاقتصاد وموازنة الحكومة بشكل كبير، إلا أنه سرعان ما تبخرت آمال الناس العاديين، وذلك لوجود نظام سلطوي استخدم هذه الثروة بطريقة ما لتأمين بقاءه من خلال توزيع الريع النفطي على شبكة من النخب، وتحول اكتشاف النفط في اليمن من نعمة إلى لعنة الموارد. إذا أنه منذ ذلك الحين، ارتبط الاقتصاد اليمني ارتباطًا وثيقًا بالسياسة؛ ففي مجال الاعمال البترولية، كانت النخب إما تشغل مناصب سياسية مباشرة في الدولة أو لديها أذرع قوية في السياسة من خلال الأقارب المسؤولين الذي يؤمنوا ويسهلوا الحصول على المكاسب من هذا العمل. وتعود مجموعة النخبة الى خلفيات متعددة تشمل القبائل، والتجار، ورجال الدين، والجيش، والتكنوقراط، يشار إليهم في هذه الدراسة باسم النخب السياسية.
وخلصت الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات كالتالي:
- تتكون النخبة السياسية في اليمن من قسمين: الأولى النخبة الأساسية في الاقتصاد السياسي لليمن، ويطلق عليهم الدائرة الداخلية، معظم أفرادها من أقارب الرئيس “صالح” الذين ينحدرون من قبيلته سنحان والشخصيات القبلية والعسكرية والسياسية البارزة. والثانية وهي الدائرة الخارجية، وهي أقل تأثيرًا من الدائرة الداخلية ولدى أفرادها سلطة اقل.
- تم تأسيس جميع النخب وتمكينها وسيطرتها في عهد الرئيس “صالح” على أساس المصلحة المتبادلة بينها وبين النظام السابق وعلى أساس قواعد اللعبة في نظام المحسوبية؛ حيث تم تمكين مجموعة النخبة وادخالها في المكاسب الاقتصادية المتعددة، في حين كان هناك استبعاد للطبقات المتوسطة والدنيا في المجتمع حيث يُسمح للاعبين المفضلين بالوصول إلى القطاعات الرئيسية للاقتصاد وغالبًا ما تكون درجة الوصول التي يحصلوا عليها متناسبة بشكل مباشر مع الأهمية التي يعول عليها الرئيس “صالح” للدعم السياسي من تلك النخب.
- في الواقع، كانت هناك منافسة جارية داخل هذه الشبكات على كلاً من المناصب السياسية والمصالح الاقتصادية. وذلك لأن قاعدة اللعبة كانت قائمة على اظهار درجة معينة من الولاء والدعم للنظام لنيل الجائزة بالحصول على الحصة الأكبر من الفوائد. وهكذا احتكرت النخب ثروة اليمن ونشرت الممارسات الفاسدة في قطاع النفط.
- اتسم نظام المحسوبية بالإدماج والاستبعاد كعلاقات رئيسية. وبذلك تم تدوير النخب داخل النظام وحول الرئيس. ولما كانت النخب تعتمد مالياً على النظام، فإنها غالباً ما تفكر بعمق من فقدان مواقعها المتميزة إذا تغير النظام. وعند قبول الانضمام إلى لعبة المحسوبية، سيتم وصف النخب بأنها فاسدة وخائنة إذا فكرت في اتخاذ مسار مختلف عن المسار الذي يسلكه النظام برمته، ولذلك تم التخلي عن اصلاح الاقتصاد السياسي. وقد أجاد “صالح” لعبة المحسوبية حيث يقوم بجذب الحلفاء داخل أقوى العائلات القبلية وتوزيع الامتيازات على أفراد العائلة في المناصب السياسية والعسكرية، والقطاع الخاص …، وبما يضمن وجود أشخاص متعددين من نفس العائلة معتمدين على النظام، مما مكّن “صالح” في أوقات الأزمات أو العصيان من ممارسة الضغط على أحد أفراد العائلة وتهديد الأقارب الآخرين، وتطبيق قاعدة فرق تسد على مختلف شرائح النخب.
- أدت الطفرة النفطية إلى صراعات بين افراد النخبة نفسها وبين النخبة والناس العاديين، وكذلك بين الجنوب والشمال. ونتيجة للتوزيع غير المتكافئ للريع شهد نظام الوصاية الجديدة لصالح عملية تدوير بين النخب ومساومة مستمرة من أجل مواقع محسوبية أفضل، وكانت المنافسة مستمرة بين النخب حول من يحصل على المزيد من الفوائد مما جعل الأمر معقدًا وغير مواتي لحدوث اي تطور. وعادةً ما كانت تحدث توترات وصراعات بين فئة النخبة ناتجة عن عدم المساواة في العلاقات السلطوية والاقتصادية.
- وفي السنوات الأخيرة من حكم “صالح” شهد قطاع النفط عدم استقرار وتدهور في الإنتاج والعديد من الهجمات التي لم تسمح بالتدفق المستمر للعائدات النفطية وأصبحت ندرة الموارد النفطية واضحة للغاية. من ناحية أخرى، كان هناك المزيد من الدوران داخل النخبة. حيث تم استبعاد بعض النخب أو على الأقل تم اعاقتهم من الحصول على حصص أكبر من الثروة وتم تضمين البعض الآخر في نظام الوصاية الجديد الذي تم تبنيه كاستراتيجية في توزيع الثروات النفطية نتج عنها آثار وصراعات سياسية.
أدت الفوائد القليلة الممنوحة لسكان الجنوب والإدماج المحدود والرمزي لهم في شبكة النخبة، رغم أن جزءًا كبيرًا من النفط يتم استخراجه من الأراضي الجنوبية الى تصاعد الحراك الجنوبي. علاوة على ذلك فإن جولات الحرب في محافظة صعدة، بالإضافة إلى أعمال العنف التي تصاعدت ضد مؤسسات الدولة ومصالحها مع بروز تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ومع مطلع العام 2011، نظم مجموعة من الشباب لاحتجاجات ضد النظام مطالبين بإسقاط النظام، سرعان ما أعلنت النخب البارزة انشقاقها عن نظام “صالح”. وانضمامها إلى حركة الاحتجاجات.